ليس مجرد حموضة: هل فتق الحجاب الحاجز يهدد قلبك؟

يُعاني ملايين الأشخاص حول العالم من أعراض مزعجة بعد تناول الطعام، تبدأ بحرقة في الصدر وتصعد نحو الحلق، وغالبًا ما يتم تشخيصها ببساطة على أنها "حموضة" أو ارتجاع مريئي (GERD). لكن في كثير من الحالات، يكون السبب الكامن وراء هذه الأعراض هو حالة طبية شائعة ولكنها قد تكون خادعة تُعرف باسم فتق الحجاب الحاجز (Hiatal Hernia).

على الرغم من أن الفتق الحجابي يُعتبر غالباً مشكلة في الجهاز الهضمي، إلا أن أعراضه غير النمطية وقربه التشريحي من القلب والرئتين أثار تساؤلات حول تأثيره المحتمل على الجهاز القلبي الوعائي.

💡 ما هو فتق الحجاب الحاجز؟

الحجاب الحاجز هو عضلة قوية تفصل بين تجويف الصدر وتجويف البطن. يحتوي هذا الحاجز على فتحة صغيرة (تسمى الفُرجَة) يمر من خلالها المريء ليصل إلى المعدة.

يحدث فتق الحجاب الحاجز عندما يندفع جزء من المعدة إلى الأعلى عبر هذه الفتحة إلى تجويف الصدر.

الأنواع الرئيسية:

1. الفتق الانزلاقي (Sliding Hiatal Hernia): وهو الأكثر شيوعًا، حيث تنزلق وصلة المعدة والمريء (الجزء العلوي من المعدة) صعودًا ونزولاً عبر الفتحة.

2. الفتق شبه المريئي (Paraesophageal Hiatal Hernia): وهو أقل شيوعًا ولكنه أكثر خطورة، حيث يظل وصلة المريء والمعدة في مكانها، لكن جزءًا من المعدة يندفع بجانب المريء إلى الصدر. هذا النوع يحمل خطرًا أكبر للانحصار والاختناق.

🩺 الأعراض: لماذا يختلط الأمر بينه وبين أمراض القلب؟

تنبع خطورة الخلط بين أعراض فتق الحجاب الحاجز وأمراض القلب من الموقع المشترك للألم. يقع المريء والمعدة في منطقة قريبة جدًا من القلب، مما يجعل أي ألم صادر من هذه المنطقة يُشعر به وكأنه ألم في الصدر.

الأعراض الأكثر شيوعًا (الهضمية):

• الحرقة (Heartburn): إحساس مؤلم بالحرقان خلف عظمة الصدر، ويزداد سوءًا عند الانحناء أو الاستلقاء.

• الارتجاع المريئي (GERD): عودة أحماض المعدة ومحتوياتها إلى المريء.

• عسر البلع (Dysphagia): صعوبة أو ألم عند بلع الطعام.

الأعراض غير النمطية التي قد تحاكي أمراض القلب:

• ألم الصدر: ألم حاد أو ضغط خلف عظمة القص، قد يمتد إلى الظهر أو الذراعين، مما يجعله يشبه أعراض الذبحة الصدرية (Angina).

• الخفقان (Palpitations): إحساس بضربات قلب سريعة أو قوية بشكل غير منتظم.

• ضيق التنفس (Dyspnea): خاصة بعد تناول وجبة كبيرة، بسبب ضغط المعدة المنتفخة على الحجاب الحاجز والرئتين

ملاحظة هامة: يجب دائمًا استبعاد الأسباب القلبية أولاً عند الشعور بأي ألم في الصدر أو ضيق تنفس، حيث أن التأخر في علاج نوبة قلبية قد يكون قاتلاً.

1. التأثير على الأعصاب اللاإرادية (Vagal Nerve Stimulation)

يمر العصب الحائر (Vagus Nerve) بالقرب من المريء والمعدة. عند وجود فتق حجابي كبير أو ارتجاع شديد للأحماض، قد يحدث تهيج لهذا العصب. العصب الحائر هو جزء رئيسي من الجهاز العصبي اللاإرادي ويتحكم بشكل مباشر في معدل ضربات القلب.

• النتيجة المحتملة: قد يؤدي هذا التهيج إلى نوبات من الخفقان أو اضطرابات في النظم القلبي (Arrhythmia) في بعض الأحيان، حتى في غياب أي مرض قلبي هيكلي.

2. الضغط الميكانيكي على القلب

في حالات الفتق شبه المريئي الكبير، أو عند امتلاء المعدة بالهواء والطعام، يمكن للفتق أن يشغل مساحة في تجويف الصدر.

• النتيجة المحتملة: هذا الضغط الميكانيكي قد يؤثر على الأذين الأيسر للقلب، مما قد يعيق جزئيًا من امتلائه بالدم، أو قد يؤدي إلى شعور بضيق التنفس.

3. القلق والألم

الألم المتكرر والمزمن في الصدر الناتج عن الفتق الارتجاعي يمكن أن يسبب مستويات عالية من القلق والتوتر لدى المريض.

• النتيجة المحتملة: يُعرف القلق بأنه محفز شائع لـ الخفقان وزيادة معدل ضربات القلب، مما يُفاقم من الإحساس بأن هناك مشكلة قلبية خطيرة.

🚨 فتق الحجاب الحاجز والاختناق: متى يصبح الأمر خطيراً؟

الخطر الأكبر المرتبط بالفتق الحجابي لا يتعلق بالقلب، بل بـ موت الأنسجة في حالة الفتق شبه المريئي.

إذا أصبح الفتق كبيرًا لدرجة أن جزءًا من المعدة ينحشر وينقطع إمداد الدم عنه (الاختناق)، فإن هذا يعد حالة طبية طارئة تتطلب تدخلًا جراحيًا فوريًا لإنقاذ الجزء المختنق وتجنب التمزق (Perforation) والعدوى المميتة (الإنتان).

علامات الاختناق تشمل:

• ألم مفاجئ وشديد في الصدر أو البطن العلوي.

• صعوبة في التنفس أو القيء الشديد.

• عدم القدرة على تمرير الغازات (انسداد معوي).

🛡️ التشخيص والعلاج: الفصل بين أمراض القلب والفتق

من الضروري التفريق بين آلام الصدر الناتجة عن القلب وتلك الناتجة عن الفتق.

خطوات التشخيص:

1. استبعاد الأسباب القلبية أولاً: يتم ذلك عبر تخطيط القلب (ECG)، اختبارات إنزيمات القلب، وفي بعض الحالات اختبار الجهد.

2. تنظير الجهاز الهضمي العلوي (Endoscopy): الطريقة الأكثر فعالية لتأكيد وجود الفتق الحجابي وتقييم مدى الارتجاع والضرر في المريء.

3. تصوير الباريوم (Barium Swallow): يسمح برؤية المعدة والمريء أثناء البلع وتحديد حجم ونوع الفتق.

خيارات العلاج:

• العلاج التحفظي (للحالات البسيطة):

• الأدوية التي تقلل من إفراز حمض المعدة (مثبطات مضخة البروتون PPIs).

• تغييرات نمط الحياة: تجنب الوجبات الكبيرة، عدم الاستلقاء بعد الأكل، رفع رأس السرير، وفقدان الوزن.

• التدخل الجراحي (للحالات الشديدة أو المختنقة):

• تُجرى عملية تثنية القاع (Nissen Fundoplication) لشد الفتحة وتقوية الحاجز بين المعدة والمريء.

• يتم اللجوء إلى الجراحة بالمنظار أو الروبوت لإعادة المعدة إلى مكانها وتثبيتها.

في الختام، بينما لا يعتبر فتق الحجاب الحاجز مرضاً قلبياً، إلا أن العلاقة المعقدة بين الجهازين الهضمي والقلبي، خاصة قرب مركز الألم، تجعل تشخيص الحالة أمرًا بالغ الأهمية. إن كان لديك فتق حجابي وتشعر بأعراض قلبية، فإن الحل يكمن في استشارة كل من طبيب الجهاز الهضمي وطبيب القلب لضمان التشخيص الدقيق والسلامة الكاملة..